فصل: ذكر من ملك من الروم بعد رفع المسيح إلى عهد نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر نبوّة المسيح وبعض معجزاته:

لما كانت مريم بمصر نزلت على دهقان، وكانت داره يزوي إليها الفقراء والمساكين، فسرق له مال، فلم يتهم المساكين، فحزنت مريم، فلمّا رأى عيسى حزن أمّه قال: أتريدين أن أدلّه على ماله؟ قالت: نعم، قال: إنّه أخذه الأعمى والمقعد، اشتركا فيه، حمل الأعمى المقعد فأخذه، فقيل للأعمى ليحمل المقعد، فأظهر العجز، فقال له المسيح: كيف قويت على حمله البارحة لما أخذتما المال؟ فاعترفا وأعاداه.
ونزل بالدهقان أضياف ولم يكن عندهم شراب، فاهتمّ لذلك، فلمّا رآه عيسى دخل بيتاً للدهقان فيه صفّان من جرار فأمرّ عيسى يده على أفواهها وهو يمشي، فامتلأت شراباً، وعمره حينئذٍ اثنتا عشرة سنة.
وكان في الكتّاب يحدّث الصبيان بما يصنع أهلوهم وبما كانوا يأكلون.
قال وهب: بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبّي فضربه برجله فقتله فألقاه بين رجلي المسيح متلطّخاً بالدم، فانطلقوا به إلى الحاكم في ذلك البلد فقالوا: قتل صبيّاً، فسأله الحاكم، فقال: ما قتلته، فأرادوا أن يبطشوا به، فقال: إيتوني بالصبيّ حتى أسأله من قتله، فتعجبوا من قوله وأحضروا عنده القتيل، فدعا الله فأحياه، فقال: من قتلك؟ فقال: قتلني فلان، يعني الذي قتله، فقال بنو اسرائيل للقتيل: من هذا؟ قال: هذا عيسى بن مريم، ثمّ مات الغلام من ساعته.
وقال عطاء: سلّمت مريم إلى صبّاغ يتعلّم عنده، فاجتمع عند الصبّاغ ثياب وعرض له حاجة، فقال المسيح: هذه ثياب مختلفة الألوان وقد جعلتُ في كلّ ثوب منها خيطاً على اللّون الذي يُصبغ به فاصبغها حتى أعود من حاجتي هذه، فأخذها المسيحُ وألقاها في حُبّ واحد، فلمّا عاد الصبّاغ سأله عن الثياب فقال: صبغتها، فقال: أين هي؟ قال: في هذا الحُبّ، قال: كلّها؟ قال: نعم، قال: لقد أفسدتها على أصحابها وتغيّظ عليه، فقال له المسيح: لا تعجل وانظر إليها، وقام وأخرجها كلّ ثوب منها على اللّون الذي أراد صاحبه فتعجّب الصبّاغُ منه وعلم أن ذلك من الله تعالى.
ولما عاد عيسى وأمّه إلى الشام نزلا بقرية يقال لها ناصرة، وبها سميت النصارى، فأقام إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فأوحى الله إليه أن يبرز للناس ويدعوهم إلى الله تعالى ويداوي المرضى والزمنى والأكمه والأبرص وغيرهم من المرضى، ففعل ما أمر به، وأحبّه الناس، وكثر أتباعه، وعلا ذكره.
وحضر يوماً طعام بعض الملوك كان دعا الناس إليه، فقعد على قصعة يأكل منها ولا تنقص، فقال الملك: من أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم، فنزل الملك عن ملكه وابتعه في نفر من أصحابه فكانوا الحواريّين.
وقيل: إنّ الحواريّين هم الصبّآغ الذي تقدّم ذكره وأصحابٌ له، وقيل: كانوا صيّادين، وقيل: قصّارين، وقيل: ملاّحين، والله أعلم، وكانت عدّتهم اثني عشر رجلاً، وكانوا إذا جاعوا أو عطشوا قالوا: يا روح الله قد جعنا وعطشنا، فيضرب يده إلى الأرض فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين وما يشربون، فقالوا: من أفضل منّا، إذا شئنا أطعمتنا وسقيتنا فقال: أفضل منكم من يأكل من كسب يده، فصاروا يغسلون الثياب بالأجرة.
ولما أرسله الله أظهر من المعجزات أنهّه صوّر من الطين صورة طائر ثمّ نفخ فيه فيصير طائراً بإذن الله، قيل هو الخفّاش.
وكان غالباً على زمانه الطبّ فأتاهم بما أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى تعجيزاً لهم، فممّن أحياه عازر، وكان صديقاً لعيسى، فمرض، فأرسلت أختُه إلى عيسى أنّ عازر يموت، فسار إليه وبينهما ثلاثة أيّام، فوصل إليه وقد مات منذ ثلاثة أيام، فأتى قبره فدعا له فعاش، وبقي حتى ولد له، وأحيا امرأةً وعاشت وولد لها، وأحيا سام بن نوح، كان يوماً مع الحواريّين يذكر نوحاً والغرق والسفينة فقالوا: لو بعثت لنا من شهد ذلك فأتى تلاً وقال: هذا قبر سام بن نوح، ثمّ دعا الله فعاش، وقال: قد قامت القيامة؟ فقال المسيح: لا ولكن دعوت الله فأحياك، فسألوه فأخبرهم، ثمّ عاد ميتاً، وأحيا عزيراً النبيّ، قال له بنو اسرائيل، احي لنا عزيراً وإلاّ أحرقناك، فدعا الله فعاش، فقالوا: ما تشهد لهذا الرجل؟ قال: أشهد أنه عبد الله ورسوله، وأحيا يحيى بن زكرياء.

.ذكر نزول المائدة:

وكان من المعجزات العظيمة نزول المائدة. وسبب ذلك: أنّ الحواريين قالوا له: يا عيسى {هل يستطيع ربك أن ينزّل علينا مائدةً من السماء} المائدة: 112 فدعا عيسى فقال: {اللهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} المائدة: 114، فأنزل الله المائدة عليها خبز ولحم يأكلون منها ولا تنفد، فقال لهم: إنّها مقيمة ما لم تذخروا منها، فما مضي يومهم حتى اذّخروا، وقيل: أقبلت الملائكة تحمل المائدة عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم، فأكل منها آخر النّاس كما أكل أوّلهم؛ وقيل: كان عليها من ثمار الجنّة، وقيل: كانت تمدّ بكلّ طعام إلاّ اللّحم، وقيل: كانت سمكة فيها طعم كلّ شيء، فلمّا أكلوا منها، وهم خمسة آلاف، وزادت حتى بلغ الطعام ركبهم، قالوا: نشهد أنك رسول الله، ثمّ تفرّقوا فتحدّثوا بذلك، فكذَّب به من لم يشهده، وقالوا: سحر أعينكم، فافتتن بعضهم وكفر، فمسخوا خنازير ليس فيهم امرأة ولا صبيّ، فبقوا ثلاثة أيام ثمّ هلكوا ولم يتوالدوا.
وقيل: كانت المائدة سفرة حمراء تحتها غمامة وفوقها غمامة وهم ينظرون إليها تنزل حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين اللهمّ اجعلها رحمةً ولا تجعلها مُثلة ولا عقوبة واليهود ينطرون إلى شيء لم يروا مثله ولم يجدوا ريحاً أطيب من ريحها، فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الجنّة؟ فقال المسيح: لا من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، إنّما هو شيء خلقه الله بقدرته، فقال لهم: كُلوا مما سألتم، فقالوا له: كل أنت يا روح الله، فقال: معاذ الله أن آكل منها فلم يأكل ولم يأكلوا منها، فدعا المرضى والزمنى والفقراء، فأكلوا منها، وهم ألف وثلاثمائة، فشبعوا، وهي بحالها لم تنقص، فصحّ المرضى والزمنى، واستغنى الفقراء، ثمّ صعدت وهم ينظرون إليها حتى توارت، وندم الحواريّون حيث يأكلوا منها.
وقيل: إنّها نزلت أربعين يوماً، كانت تنزل يوماً وتنقطع يوماً، وأمر الله عيسى أن يعدو إليها الفقراء دون الأغنياء، ففعل ذلك، فاشتدّ على الأغنياء وجحدوا نزولها وشكّوا في ذلك وشكّكوا غيرهم فيها، فأوحى الله إلى عيسى: إنّي شرطت أن أعذّب المكذّبين عذاباً لا أعذّب به أحداً من العالمين، فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين رجلاً فأصبحوا خنازير، فلمّا رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى وبكوا وبكى عيسى على الممسوخين، فلما أبصرت الخنازير عيسى بكوا وطافوا به وهو يعدوهم بأسمائهم ويشيرون برؤوسهم ولا يقدرون على الكلام، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا.

.ذكر رفع المسيح إلى السماء ونزوله إلى أمّه وعوده إلى السماء:

قيل: إنّ عيسى استقبله ناسٌ من اليهود، فلمّا رأوه قالوا: قد جاء الساحر ابن الساح الفاعل ابن الفاعلة وقذفوه وأمّه، فسمع ذلك ودعا عليهم، فاستجاب الله دعاءه ومسخهم خنازير، فلمّا رأى ذلك رأى بني اسرائيل فزع وخاف وجمع كلمة اليهود على قتله، فاجتمعوا عليه، فسألوه، فقال: يا معشر اليهود إنّ الله يبغضكم، فغضبوا من مقالته وثاروا إليه ليقتلوه، فبعث إليه جبرائيل فأدخله في خوخة إلى بيت فيها روزنة في سقفها فرعه إلى السماء من تلك الروزنة، فأمر رأس اليهود رجلاً من أصحابه اسمه قطيبانوس أن يدخل إليه فيقتله، فدخل فلم ير أحداً، وألقى الله عليه شبه المسيح، فخرج إليهم فظنّوه عيسى، فقتلوه وصلبوه.
وقيل: إن عيسى قال لأصحابه: أيّكم يحبّ أن يُلقى عليه شبهي وهو مقتول؟ فقال رجل منهم: أنا يا روح الله، فألقي عليه شبهه، فقتل وصلب.
وقيل: إنّ الذي شبّه بعيسى وصلب رجل اسرائيلي اسمه يوشع أيضاً.
وقيل لما أعلم الله المسيح أنه خارج من الدنيا جزع من الموت فدعا الحواريّين فصنع لم طعاماً فقال: احضروني اللّيلة فإنّ لي إليكم حاجة، فلمّا اجتمعوا عشّاهم وقام يخدمهم، فلما فرغوا أخذ يغسل أيديهم بيده ويمسحها بثيابه، فتعاظموا ذلك وكرهوه، فقال: من يردّ عليّ الليّلة شيئاً مما أصنع فليس مني، فأقرّوه حتى فرغ من ذلك، ثمّ قال: أمّا ما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي فليكن لكم بي أسوة فلا يتعاظم بعضكم على بعض، وأمّا حاجتي التي أستغيثكم عليها فتدعون الله لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخّر أجلي، فلمّا نصبوا أنفسهم للدّعاء أخذهم النومُ حتى ما يستطيعون الدعاء، فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله ما تصبرون لي ليلة قالوا: والله ما ندري ما لنا، لقد كنّا نسمر فنكثر السمر وما نقدر عليه اللّيلة، وكلّما أردنا الدعاء حيل بيننا وبينه، فقال: يذهب بالراعي ويتفرّق الغنم؛ وجعل ينعى نفسه، ثمّ قال: ليكفرنّ بي أحدكم قبل أن يصيح الديكُ ثلاث مرات، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلنّ ثمني.
فخرجوا وتفرّقوا، وكانت اليهود تطلبه، فأخذوا شمعون، أحد الحواريين، وقالوا: هذا صاحبه.
واختلف العلماء في موته قبل رفعه إلى السماء، فقيل: رُفع ولم يمت، وقيل: توفّاه الله ثلاث ساعات وقيل سبع ساعات، ثمّ أحياه ورفعه، ولما رُفع إلى السماء قال الله له: انزل: فلمّا قالوا لشمعون عن المسيح جحد وقال: ما أنا صاحبه فتركوه، فعلوا ذلك ثلاثاً، فلما سمع صياح الديك بكى وأحزنه ذلك، وأتى أحد الحواريين إلى اليهود فدّلّهم على المسيح وأعطوه ثلاثين درهماً فأتى معهم إلى البيت الذي فيه المسيح، فدخله، فرفع الله المسيح وألقى شبهه على الذي دلهم عليه، فأخذوه وأوثقوه وقادوه وهم يقولون له: أنت كنت تحيي الموتى وتفعل كذا وكذا فهلاّ تنجي نفسك؟ وهو يقول: أنا الذي دلّكم عليه، فلم يصغوا إلى قوله ووصلوا به إلى الخشبة وصلبوه عليها.
وقيل: إنّ اليهود لما دلّهم عليه الحواريّ اتّبعوه وأخذوه من البيت الذي كان فيه ليصلبوه، فأظلمت الأرض، وأرسل الله ملائكة فحالوا بينهم وبينه، وألقى شبه المسيح على الذي دلّهم عليه، فأخذوه ليصلبوه، فقال: أنا الذي دلّكم عليه، فلم يلفتوا إليه فقتلوه وصلبوه عليها، ورفع الله المسيح إليه بعد أن توفّاه ثلاث ساعات، وقيل: سبع ساعات، ثمّ أحياه ورفعه، ثمّ قال له: انزل إلى مريم، فإنّه لم يبكِ عليك أحد بكاءها ولم يحزن أحد حزنها، فنزل عليها بعد سبعة أيام، فاشتعل الجبل حين هبط نوراً، وهي عند المصلوب تبكي ومعها امرأة كان أبرأها من الجنون، فقال: ما شأنكما تبكيان؟ قالتا: عليك قال: إني رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير، وإنّ هذا شيء شُبّه لهم، وأمرها فجمعت له الحواريّين، فبثّهم في الأرض رسلاً عن الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به، ثمّ رفعه الله إليه وكساه الريش وألبسه النّور وقطع عنه لذّة المطعم والمشرب، وطار مع الملائكة، فهو معهم، فصار إنسيّاً ملكيّاً أرضيّاً، فتفرّق الحواريّون حيث أمرهم، فتلك الليلة التي أهبطه الله فيها هي التي تدخن فيها النصارى، وتعدّى اليهود على بقيّة الحواريّين يعذّبونهم ويشتمونهم، فسمع بذلك ملك الروم، واسمه هيرودس، وكانوا تحت يده، وكان صاحب وثن، فقيل: له: إنّ رجلاً كان في بني اسرائيل وكان يفعل الآيات من إحياء الموتى وخلق الطير من الطين والإخبار عن الغيوب فعدوا عليه فقتلوه، وكان يخبرهم أنّه رسول الله، فقال الملك: ويحكم ما منعكم أن تذكروا هذا من زمره، فوالله لو علمتُ ما خلّيتُ بينهم وبينه ثم بعث إلى الحواريين فانتزعهم من أيدي اليهود وسألهم عن دين عيسى، فأخبروه، وتابعهم على دينهم واستنزل المصلوب الذي شُبّه لهم فغيّبه، وأخذ الخشبة التي صُلب عليها فأكرمها وصانها، وعدا على بني اسرائيل فقتل منهم قتلى كثيرة، فمن هناك كان أصل النصرانيّة في الروم.
وقيل: كان هذا الملك هيرودس ينوب عن ملك الروم الأعظم الملقّب قيصر، واسمه طيباريوس، وكان هذا أيضاً يسمّى ملكاً، وكان ملك طيباريوس ثلاثاً وعشرين سنة، منها إلى ارتفاع المسيح ثماني عشرة سنة وأيام.

.ذكر من ملك من الروم بعد رفع المسيح إلى عهد نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم:

زعموا أن ملك الشام جميعه صار بعد طيباريوس إلى ولده جايوس، وكان ملكه أربع سنين، ثمّ ملك بعده ابن له آخر اسمه قلوديوس أربع عشرة سنة، ثمّ ملك بعده نيرون الذي قتل بطرس وبولس فصلبهما منكّسين أربع عشرة سنة، ثمّ ملك بعده بوطلايس أربعة أشهر، ثمّ ملك اسفسيانوس، وهذا الذي وجّه ابنه طيطوس إلى البيت المقدس فهدمه وقتل من بني اسرائيل غضباً للمسيح، ثم ملك ابنه طيطوس، ثمّ ملك أخوه دومطيانوس ستّ عشرة سنة، ثم ملك بعده نارواس ستّ سنين، ثم ملك من بعده طرايانوس تسع عشرة سنة، ثم ملك بعده هدريانوس إحدى وعشرين سنة، ثمّ ملك من بعده أنطونينوس بن بطيانوس اثنتين وعشرين سنة، ثمّ ملك مرقوس وأولاده تسع عشرة سنة، ثمّ ملك بعده قومودوس ثلاث عشرة سنة، ثمّ ملك من بعده فرطيناجوس ستّة أشهر، ثمّ ملك بعده سيواروش أربع عشرة سنة، ثمّ ملك بعده انطينانوس سبع سنين، ثم ملك من بعده مرقيانوس ستّ سنين، ثمّ ملك من بعده انطينانوس أربع سنين، وفي ملكه مات جالينوس الطبيب، ثمّ ملك الخسندروس ثلاث عشرة سنة، ثم ملك مكسيمانوس ثلاث سنين، ثمّ ملك جورديانوس ستّ سنين، ثمّ فيلفوس سبع سنين، ثم ملك داقيوس ستّ سنين، ثمّ ملك قالوس ستّ سنين، ثمّ ملك والرييانوس وقالينوس خمس عشرة سنة، ثمّ ملك قلوديوس سنة، ثمّ ملك قريطاليوس شهرين، ثمّ ملك أورليانوس خمس سنين، ثمّ ملك طيقطوس ستة أشهر، ثمّ ملك فولورنوس خمسة وعشرين يوماً، ثمّ ملك فروبوس ستّ سنين ثم قوروس وابناه سنتين، ثم ملك دقلطيانوس ستّ سنين، ثم ملك مخسيميانوس عشرين سنة، ثمّ قسطنطين ثلاثين سنة، ثمّ ملك يليانوس سنتين، ثم ملك يويانوس سنة، ثم ملك والنطيانوس وغرطيانوس عشر سنين، ثمّ ملك خرطيانوس ووالنطيانوس الصغير سنة، ثمّ ملك تيداسيس الأكبر سبع عشرة سنة، ثمّ ارقاديوس وانورويوس عشرين سنة، ثمّ ملك تياداسيس الأصغر ووالنطيانوس ستّ عشرة سنة، ثم ملك مرقيانوس سبع سنين، ثم لاو ستّ عشرة سنة، ثمّ ملك زانون ثماني عشرة سنة، ثمّ ملك انسطاس سبعاً وعشرين سنة، ثمّ ملك يوسطينانوس تسع سنين، ثم ملك يوسطينانوس الشيخ عشرين سنة، ثمّ ملك يوسطينس اثنتي عشرة سنة، ثمّ ملك طيباريوس ستّ سنين، ثمّ مريقيش وتاداسيس ابنه عشرين سنة، ثمّ ملك فوقا الذي قتل سبع سنين وستّة أشهر، ثمّ هرقل الذي كتب إليه النبيّ، صلى الله عليه وسلم، ثلاث سنين.
فمن لدن عُمر البيت المقدس بعد زن أخربه بخت نصّر إلى الهجرة، علي قولهم، ألف سنة ونيف، ومن ملك الإسكندر إليها تسعمائة ونيف وعشرون سنة، فمن ذلك من وقت ظهوره إلى مولد عيسى، عليه السلام، ثلاثمائة سنة وثلاث سنين، ومن مولده إلى ارتفاعه اثنتان وثلاثون سنة، ومن وقت ارتفاعه إلى الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون سنة وأشهر.
هذا الذي ذكره أبو جعفر من عدد ملوك الروم، وقد أخلى ذكرهم عن شيء من الحوادث التي كانت في أيّامهم، وقد سطرها غيره من العلماء بالتاريخ وخالفه في كثير منها ووافقه في الباقي مع مخالفة الاسم وضاف إلى أسمائهم ذكر شيء من الحوادث في أيّامهم، وأنا أذكره مختصراً، إن شاء الله.

.ذكر ملوك الروم وهم ثلاث طبقات:

.فالطبقة الأولى الصابئون:

ذكر غير واحد من علماء التاريخ أن الروم غلبت اليونان، وهم ولد صوفير، والاسرائيليون يدعون أن صوفير، هو الأصفر بن نفر بن عيص بن اسحاق بن ابراهيم، وكانوا ينزلون رومية قبل غلبتهم على اليونان، وكانوا يدينون قبل النصرانيّة بمذهب الصابئين، ولهم أصنام يعبدونها على عادة الصابئين، فكان أول ملوكهم برومية غاليوس، وكان ملكه ثماني عشرة سنة، وقيل: كان ملك قبله روملس وارمانوس، وهما بنياها، وإليهما نُسبت، وأضيف الروم إليها، وإنما غاليوس أوّل من يعدّ في التاريخ لشهرته، ثمّ ملك بعده يوليوس أربع سنين وأربعة أشهر، ثم ملك أوغسطس، ومعناه الصباء، وهو أوّل من سمي قيصر، وتفسير ذلك أنّه شُقّ عنه بطن أمّه لأنّها ماتت وهي حامل به، فزخرج من بطنها، ثم صار ذلك لقباً لملوكهم، وكان ملكه ستّاً وخمسين سنة وخمسة أشهر، وأكثر المؤرخين يبتدئون باسمه لأنه أول من خرج من رومية وسيّر الجنود براً وبحراً، وغزا اليونانيين، واستولى على ملكهم، وقتل قلوبطرة آخر ملوكهم، واستولى على الاسكندرية ونقل ما فيها إلى رومية، وملك الشام، واضمحلّ ملك اليونانيين، ودخلوا في الروم، واستخلف على البيت المقدس هيرودس بن أنطيقوس؛ ولاثنتين وأربعين سنة من ملكه كانت والدة المسيح، وهو الذي بنى قيصارية.
ثمّ ملك بعده طيباريوس ثلاثاً وعشرين سنة، وهو الذي بنى مدينة طبرية، فأضيفت إليه، وعرّبها العرب؛ وفي ملكه رفع المسيح، عليه السلام، وملك بعد رفعه ثلاث سنين.
ثم ملك بعده ابنه غايوس أبرع سنين، وهو الذي قتل اصطفنوس رئيس الشمامسة عند النصارى ويعقوب أخا يوحنّا بن زبدي، وهما من الحواريّين، وقتل خلقاً من النصارى، وهو أوّل الملوك من عبّاد الأصنام قتل النصارى.
ثم ملك قلوديوس بن طيباريوس أربع عشرة سنة، وفي ملكه حبس شمعون الصفا، ثم خلص شمعون من الحبس وسار إلى انطاكية، فدعا إلى النصرانية، ثم سار إلى رومية فدعا أهلها أيضاً، فأجابته زوجة الملك وسارت إلى البيت المقدس وأخرجت الخشبة التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها، وكانت في أيدي اليهود، فأخذتها وردتها إلى النصارى.
ثمّ ملك نيرون ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وفي آخر ملكه قتل بطرس وبولس بمدينة رومية وصلبهما منكّسين، وفي أيّامه ظفرت اليهود بيعقوب بن يوسف، وهو أول الاساقفة بالبيت المقدس، فقتلوه وأخذوا خشبة الصليب فدفنوها، وفي أيّامه كان مارينوس الحكيم صاحب كتاب الجغرافيا في صورة الأرض.
ثمّ ملك بعده غلباس سبعة أشهر؛ ثم ملك أوثون ثلاثة أشهر؛ ثم ملك بيطاليس أحد عشر شهراً، ثمّ ملك اسباسيانوس سبع سنين وسبعة أشهر، وفي أيامه خالف أهل البيت المقدس قيصر فحصرهم وافتتح المدينة عنوةً وقتل كثيراً من أهلها من اليهود والنصارى وعمّهم الأذى في أيّامه.
ثمّ ملك بانه طيطوس سنتين وثلاثة أشهر، وفي أيّامه أظهر مرقيون مقالته بالاثنين، وهما: الخير والشرّ، وبعد ثالث بينهما، وإليه تنسب المرقونية؛ وهو من أهل حرّان.
ثمّ ملك ذومطيانش بن اسباسيانوس خمس عشرة سنة وعشرة أشهر، ولتسع سنين من ملكه بمدينة أفسيس، ثمّ ملك إيليا اندريانوس عشرين سنة، وقتل من اليهود والنصارى خلقاً كثيراً لخلاف كان منهم عليه، وأخرب البيت المقدس، وهو آخر خرابه، فلمّا مضى من ملكه ثماني سنين عمره أيضاً وسمّاه إيليا، فبقي الاسم عليه، فكان قبل ذلك يسمّى أورشلم، وأسكن المدينة جماعةً من الروم واليونان، وبنى هيكلاً عظيماً للزّهرة، وكان علاي البنيان، فهدم من أعلاه كثير، وهو باق إلى يومنا هذا، وهو سنة ثلاث وستّمائة، وقد رأيته، وهو محكم البناء، ولا أدري كيف نُسب إلى داود وقد بني بعده بدهر طويل، على أنني سمعت بالبيت المقدّس من جماعة يذكرون أنّ داود بناه وكان يتفرّغ فيه لعبادته.
وفي أيّام هذا الملك كان ساقيدس الفيلسوف الصامت.
ثمّ ملك أنطنينس بيوس اثنتين وعشرين سنة، وفي أيّامه كان بطلميوس صاحب المجسطي والجغرافيا وغيرهما؛ وقيل: إنّه من ولد قلوديوس، ولهذا قيل له القلوديّ نسبة إليه، وهو السادس من ملوك الروم، ودليل كونه في هذا الزمان وليس من ملوك اليونان أنّه ذكر في كتاب المجسطي أنه رصد الشمس بالإسكندرية سنة ثمانمائة وثمانين لبخت نصّر، وكان من ملك بخت نصّر إلى قتل دارا أربعمائة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة وستّة عشر يوماً، ومن قتل دارا إلى زوال ملك قلوبطرة لملكة آخر ملوك اليونان على يد أوغسطس مائتا سنة وستّ وثمانون سنة، ومذ غلبة أوغسطس إلى انطنينوس مائة وسبع وستّون سنة، فمذ ملك بخت نصّر إلى أدريانوس ثمانمائة وثلاث وثمانون سنة تقريباً، وهذا موافق لما حكاه بطلميوس.
قال: ومن زعم أنّ ابن قلوبطرة آخر ملوك اليونانيهين فقد أبطل ذكر هذا بعض العلماء بالتاريخ وعدّ موك اليونان وذكر مدّة ملكهم على ما قال، وأمّا أبو جعفر الطبريّ فإنّه ذكر في مدّة مُلكهم ماذتي سنة وسبعاً وعشرين سنة، على ما تقدّم ذكره.
ثمّ ملك بعده مرقس، ويسمّي أورليوس، تسع عشرة سنة، وفي ملكه أظهر ابنُ ديصان مقالته، وكان أسقفاً بالرّهاء، وهو من القائلين بالاثنين، ونسب إلى نهر على باب الرّهاء يسمى ديصان وجد عليه منبوذاً، وبنى على هذا النهر كنيسة.
ثم ملك فومودوس اثنتي عشرة سنة، وفي أيّامه كان جالينوس قد أردك بطلميوس القلودي، وكان دين النصرانيّة قد ظهر في أيّامه وذكرهم في كتابه في: جوامع كتاب أفلاطون في السياسة.
ثمّ ملك برطينقش ثلاثة أشهر؛ ثمّ ملك يوليانوس شهرين، ثمّ ملك سيوارس سبع شعرة سنة، وشمل اليهود في أيّامه القتل والتشريد، وبنى بالاسكندرية هيكلاً عظيماً سمّاه هيكل الآلهة.
ثمّ ملك انطونيوس ستّ سنين، ثمّ ملك مقرونيوس سنة وشهرين، ثمّ ملك أنطونيوس الثاني أربع سنين، ثمّ ملك الاكصندروس، ويلقّب مامياس، ثلاث عشرة سنة، ثم مل مقسميانوس ثلاث سنين، ثم ملك مقسموس ثلاثة أشهر، ثم ملك غرديانوس ستّ سنين، ثم ملك فيلبوس ستّ سنين، وتنصّر وترك دين الصابئين وتبعه كثيرٌ من أهل مملكته واختلفوا لذلك، وكان فيمن خالفه بطريق يقال له داقيوس، قتل فيلبوس واستولى على الملك، ثم ملك بعد فيلبوس داقيوس ينتين وتتبّع النصارى، فهرب منه أصحاب الكهف إلى غار في جبل شرقيّ مدينة أفسيس، وقد خربت المدينة، وكان لبثهم فيه مائة وخمسين سنة.
وهذا باطل لأنّه علي هذا السياق من حين رفع المسيح إلى الآن نحو مائتي سنة وخمس عشرة سنة، وكان لبث أصحاب الكهف علي ما نطق به القرآن المجيد {ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً} الكهف: 25 فذلك خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة، فعلى هذا يكون ظهورهم قبل الإسلام بنحو ستّين سنة، وقد ذكرنا من لدن ظهورهم إلى الهجرة زيادة على مائتي سنة، فهذه الجملة أكثر من الفترة بين المسيح والنبيّ، عليهما الصلاة والسلام، إلا أنّ هذا الناقل قد ذكر أن غيبتهم كانت ماذة وخمسين سنة على ما نراه مذكوراً، وفيه مخالفة للقرآن، ولولا نصّ القرآن لكان استقام له ما يريد.
ثمّ ملك بعده غاليوس سنتين، وكان شريكه في الملك يوليانوس، ملك خمس عشرة سنة، ثم ملك قلوديوس، ثم ملك ابنه اورليانوس ستّ سنين، ثم ملك طافسطوس وأخوه فورس تسعة أشهر، ثمّ بروبس تسع سنين، ثمّ ملك قاروس سنتين وخمسة أشهر، ثمّ ملك دقلطيانوس سبع عشرة سنة، ثمّ ملك مقسيمانوس وشاركه مقسنطيوس، ثمّ اقتتلا فاقتسما الملك، فملك الأب علي الاشم وبلاد الجزيرة وبعض الروم، وملك الابن رومية وما اتصل بها من أرض الفرنج، وملكا تسع سنين، وتملك معهما قسطنس أبو قسطنطين بلاد بورنطيا وما يليها، وهي نواحي القسطنطينيّة، ولم تكن بنيت حينئذٍ، ثمّ مات قسطنس وملك بعده ابنه قسطنطين المعروف بزمّه هيلاني، وهو الذي تنصّر.
قال: ومن أول ملوك الروم إلى ها هنا كانوا شبيهاً بملوك الطوائف لا ينضبط عددهم، وقد اختلف الناس فيهم كاختلافهم في ملوك الطوائف، وإنّما الذي يعوَّل عليه من قسطنطين إلى هرقل الذي بعث محمد، صلى الله عليه وسلم، في أيامه، ولقد صدق قائل هذا فإنّ فيه من الاختلاف والتناقض ما ذكرنا بعضه عند ذكر دقيوس وأصحاب الكهف، ولهذه العلّة لم يذكر الطبريّ أصحاب الكهف في زمان أيّ الملوك كانوا، وإنّما ذكرناه نحن لما في أيّام الملوك من الحوادث.

.الطبقة الثانية من ملوك الروم المتنصّرة:

ثم ملك قسطنطين المعروف بزمّه هيلانى في جميع بلاد الروم، وجرى بينهوبين مقسيمانوس وابنه حروب كثيرة، فلمّا ماتا استولى على الملك وتفرّد به، وكان ملكه ثلاثاً وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، وهو الذي تنصّر من مولك الروم وقاتل عليها حتى قبلها النّاس ودانوا بها إلى هذا الوقت.
وقد اختلفوا في سبب تنصّره، فقيل: إنّه كان به برص وأرادوا نزعه فأشار عليه بعض وزرائه ممن كان يكتم النصرانيّة بإحداث دين يقاتل عليه ثمّ حسن له النصرانيّة ليساعده من دان به، ففعل ذلك، فتبعه النصارى من الروم مع أصحابه وخاصّته، فقوي بهم وقفهر من خالفه، وقيل: إنّه سيّر عساكر على أسماء أصنامهم، فانهزمت العساكر، وكان لهم سبعة أصنام على أسماء الكواكب السبعة، على عادة الصابئين، فقال له وزير له يكتم النصرانيّة في هذا وأزرى بالأصنام وأشار عليه بالنصرانيّة، فأجابه، فظفر، ودام ملكه؛ وقيل غير ذلك.
ولعشرين سنة مضت من ملكه كان السنهودس الأول بمدينة نيقية من بلاد الروم، ومعناه الاجتماع، فيه ألفان وثمانية وأربعون أسقفاً فاختار منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً متّفقين غير مختلفين، فحرموا آريوس الإسكندراني الذي يضاف إليه الآريوسيّة من النصارى، ووضع شرائع النصرانيّة عبد أن لم تكن، وكان رئيس هذا المجمع بطرق الإسكندرية.
وفي السنة السابعة من ملكه سارت أمّه هيلانى الرُّهاوية، كان أبوه سباها من الرُّهاء، فأولدها هذا الملك، فسارت إلى البيت المقدس وأخرجت الخشبة التي تزعم النصارى أنّ المسيح صلب عليها؛ وجعلت ذلك اليوم عيداً، فهو عيد الصليب، وبنت الكنيسة المعروفة بقمامة، وتسمّى القيامة، وهي إلى وقتنا هذا يحجّها أنواع النصارى، وقيل: كان مسيرها بعد ذلك لأن ابنها دان بالنصرانية في قول بعضهم بعد عشرين سنة من ملكه، وفي النسة الحادية والعشرين من ملكه طبق جميع ممالكه بالبيع هو وأمّه، منها: كنيسة حمص، وكنيسة الرّهاء، وهي من العجائب.
ثم ملك بعده قسطنطين أنطاكية أربعاً وعشرين سنة بعهد من أبيه إليه وسلّم إليه القسطنطينيّة، والى أخيه قسطنس أنطاكية والشام ومصر والجزيرة، والى أخيه قسطوس رومية وما يليها من بلاد الفرنج والصقالبة، وأخذ عليهما المواثيق بالانقياد لأخيهما قسطنطين.
ثمّ ملك بعده يوليانوس ابن أخيه سنتين، وكان يدين بمذهب الصابئين ويخفي ذلك، فلمّا ملك أظهرها وخرهب البيع وقتل النصارى، وهو الذي سار إلى العراق أيّام سابور بن أردشير فقتل بسهم غرب؛ وقد ذكر أبو جعفر خبر هذا الملك مع سابور ذي الأكتاف وهو بعد سابور بن أردشير.
ثمّ ملك بعده يونيانوس سنة فأظهر دين النصرانيّة ودان بها وعاد عن العراق.
ثمّ ملك بعده ولنطيوش اثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر، ثم ملك والنس ثلاث سنين وثلاثة أشهر، ثمّ ملك والنطيانوس ثلاث سنين، ثمّ ملك تدوس الكبير، ومعناه عطيّة الله، تسع عشرة سنة، وفي ملكه كان السنهودس الثاني بمدينة القسطنطينيّة، اجتمع فيه مائة وخمسون أسقفاً لعنوا مقدونس وأشياعه، وكان فيه بطرق الإسكندرية وبطرق انطاكية وبطرق البيت المقدس، والمدن التي يكون فيها كراسي البطرق أربع: إحداها رومية، وهي لبطرس الحواريّ، والثانية الإسكندريّة، وهي لمرقس أحد أصحاب الأناجيل الأربعة، والثالثة القسطنطينية، والرابعة انطاكية، وهي لبطرس أيضاً، ولثماني سنين من ملكه ظهر أصحاب الكهف.
ثمّ ملك بعده أرقاديوس بن تدوس ثلاث عشرة سنة، ثمّ ملك تدوس الصغير بن تدوس الكبير اثنتين وأربعين سنة، ولإحدي وعشرين سنة من ملكه كان السنهودس الثالث بمدينة أفسس، وحضر هذا المجمع مائتا أسقف، وكان سببه ما ظهر من نسطورس بطرق القسطنطينيّة، وهو رأس النسطورية من النصارى، من مخالفة مذهبهم، فلعنوه ونفوه، فسار إلى صعيد مصر فأقام ببلاد إخميم ومات بقرية يقال لها سيصلح، وكثر أتباعه، وصار بسبب ذلك بينهم وبين مخالفيهم حرب وقتال، ثمّ دثرت مقالته إلى أن أحياها برصوما مطران نصيبين قديماً.
ومن العجائب أن الشهرستاني مصنّف كتاب: نهاية الاقدام في الأصول، ومصنّف كتاب: الملل والنحل، في ذكر المذاهب والآراء القديمة والجديدة، ذكر فيه أنّ نسطور كان أيّام المأمون، وهذا تفرّد به، ولا أعلم له في ذلك موافقاً.
ثمّ ملك بعده مرقيان ستّ سنين، وفي أوّل سنة من ملكه كان السنهودس الرابع على قسقرس برطق القسطنطينية، اجتمع فيه ثلاثمائة وثلاثون أسقفاً، وفي هذا المجمع خالفت اليعقوبية سائر النصارى.
ثمّ ملك ليون الكبير ستّ عشرة سنة، ثمّ ملك ليون الصغير سنة، وكان يعقوبيّ المذهب، ثمّ ملك زينون سبع سنين، وكان يعقوبياً، فزهد في الملك فاستخلف ابناً له، فهلك، فعاد إلى الملك، ثمّ ملك نسطاس سبعاً وعشرين سنة، وكان يعقوبيّ المذهب، وهو الذي بنى عمّورية، فلمّا حفر أساسها أصاب فيه مالاً وفي بالنفقة على بنائها وفضل منه شيء بنى به بيعاً وأديرة.
ثم ملك يوسطين سبع سنين، واكثر القتل في اليعقوبية.
ثمّ ملك يوسطانوس تسعاً وعشرين سنة، وبنى بالرّهاء كنيسة عجيبة، وفي أيّامه كان السنهودس الخامس بالقسطنطينية، فحرموا أدريحا أسقف منبج لقوله بتناسخ الأرواح في أجساد الحيوان، وإنّ الله يفعل ذلك جزاء لما ارتكبوه، وفي أيّامه كان بين اليعاقبة والملكيّة ببلاد مصر فتن؛ وفي أيّامه ثار اليهود بالبيت المقدس وجبل الخليل على النصارى فقتلوا منهم خلقاً كثيراً؛ وبنى الملك من البيع والأديرة شيئاً كثيراً؛ ثم ملك يوسطينوس ثلاث عشرة سنة وفي أيامه كان كسرى أنوشروان؛ ثمّ ملك طباريوس ثلاث سنين وثمانية أشهر، وكان بينه وبين أنوشروان مراسلات ومهاداة، وكان مغرىً بالبناء وتحسينه وتزويقه.
ثمّ ملك موريق عشرين سنة وأربعة أشهر، وفي أيّامه ظهر رجل من أهل مدينة حماه يُعرف بمارون إليه تنسب المارونيّة من النصارى، وأحدث رأياً يخالف من تقدّمه، وتبعه خلقٌ كثير بالشام، ثمّ إنهم انقرضوا ولم يعرف الآن منهم أحد.
وهذا موريق هو الذي قصده كسرى أبرويز حين انهزم من بهرام جوبين فزوّجه ابنته وأمدّه بعساكره وأعاده إلى ملكه، على ما نذكره إن شاء الله.
ثمّ ملك بعده فوقاس، وكان من بطارقة موريق، فوثب به فاغتاله فقتله وملك الروم بعده، وكان ملكه ثماني سنين وأربعة أشهر، ولما ملك تتبّع ولد موريق وحاشيته بالقتل، فلمّا بلغ ذلك أبرويز غضب وسيّر الجنود إلى الشام ومصر فاحتوى عليهما وقتلوا من النصارى خلقاً كثيراً، وسيرد ذلك عند ذكر أبرويز.
ثمّ ملك هرقل، وكان سبب ملكه أن عساكر الفرس لما فتكت في الروم ساروا حتى نزلوا على خليج القسطنطينية وحصروها، وكان هرقل يحمل الميرة في البحر إلى أهلها، فحسن موقع ذكل من الروم وبانت شهامته وشجاعته وأحبّ الروم فحملهم على الفتك بفوقاس وذكرهم سوء آثاره، ففعلوا ذلك وقتلوه وملّكوا عليهم هرقل.